مجالات الاجتهاد وضوابطه

كتابة بدرية القحطاني - تاريخ الكتابة: 19 يناير, 2022 1:31
مجالات الاجتهاد وضوابطه


مجالات الاجتهاد وضوابطه نتحدث عنها من خلال مقالنا هذا كما نذكر لكم مجموعة متنوعه أخرى من الفقرات المميزة مثل شروط المجتهد المطلق وتعريف المجتهد المطلق والاجتهاد بين عهدين تابعو السطور القادمة.

مجالات الاجتهاد وضوابطه

1 – مجالات الاجتهاد:
إن مجال الاجتهاد يتسع ليشمل جميع نواحي الحياة المعاصرة دون استثناء، غير أنه يمكننا وضع الاجتهاد المعرفي على رأس الأولويات حاليا؛ نظرا لاشتداد الحاجة إليه أكثر خاصة مع تغير أنماط العيش وظهور اكتشافات علمية ومعرفية لم يكن لها مثيل في تاريخ البشرية على امتداد الحقب السابقة كلها، لذا أصبح لزاما على المسلمين بذل ما في وسعهم وطاقتهم للحاق بركب هذه الثورة العلمية الباذخة، ولن يتأت ذلك إلا بتعليم جيد ومناهج أجود تذكي في نفوس الطلاب شغف الاجتهاد والإبداع مع توفير مراكز حاضنة لأهل النباهة والنباغة.
2 – ضوابط الاجتهاد:
وضع العلماء جملة من الضوابط لممارسة عملية الاجتهاد، منها:
1-ألا يصطدم الاجتهاد بأصل من أصول الشريعة، أو قاعدة من قواعدها المجمع عليها.
2-اعتبار البحث العلمي عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل.
3-القراءة باسم الله عز وجل، وذلك من خلال الجمع بين النظر والتأمل في الكتاب المسطور والكتاب المنظور.
4-استحضار وحدانية الخالق الذي أنزل القرآن وخلق الأكوان، إذ ينبغي توجيه الأبحاث في الاتجاه الذي يؤكد وحدانية الله تعالى، ويبرز حكمته.

شروط المجتهد المطلق

أن المجتهد المطلق يجب أن يحصل على ثلاثة شروط هي (العالمية – والتسامح المطلق – والواقعية العلمية) أستعرضها لحضراتكم بشئ من التفصيل:
1- الواقعية العلمية
وتعني اعتراف الفقيه والمجتهد بحقائق العلم الحديث، وأن لا يحارب تلك الحقائق بناء على تفكيره الديني والمذهبي، فالأصل هنا أن يكون المجتهد لديه حياد إيجابي ناحية العلم..بمعنى إذا همّ باكتشاف العلم ودراسة بعض هذه الحقائق وفقا لقدراته المعرفية أن لا يسارع بالإنكار أو يأخذ موقفا عدوانيا منها، هنا يقع المجتهد فريسة للدوجما التي تخرجه من حالة الإبداع المطلق والحرية التي تمتع بها ليعود كما كان مجرد فقيه ومقلدا في المذهب ، فالفقيه إذن يجب عليه دراسة علوم العصر بمنظور إيجابي وأن لا يحمل عليها لمجرد انحيازه وميوله الشخصي، فإذا لم ينجح في فهم تلك العلوم فلا يُحرّض عليها ويحترم المتخصصين فيها، فالله لم يرسل الدين لتعليم الناس كيفية عمل الأرض والمواد وخصائص العناصر والمركبات..إلخ، هذه من وظيفة العقل برؤية تلك الأمور وفقا للزمن.
2-العالمية
ويعني أن تبلغ علوم المجتهد ورجاحه عقله مستوى العالَم دون تمييز، فيكون اجتهاده ليس فقط لصالح المسلمين بل للمسيحيين واليهود أيضا، للملحدين واللادينيين، للسنة والشيعة والإباضية..إلخ، الجميع يجب أن يحصل على مساحته الخاصة في ذهن الفقيه، ليس من باب المنافسة والإنكار بل من باب الشروح والتواصل وحفظ الأنفس والمصالح، وهذا يعني أن المجتهد المطلق يجب أن يكون عارفا بمقارنات الأديان والمذاهب ولديه علم كافي بالتاريخ والفلسفات الحديثة وطيف واسع من الأدب الشعبي والثقافات عند مختلف الشعوب ليحقق شرط ذلك التواصل من باب العلم بالأشياء، وكما ترون أن ذلك الشرط صعب جدا إن لم يكن مستحيل أن يحصل عليه فقيها ذلك الزمان لعوامل متنوعة منها تقبيح العقل والانغلاق وخضوع المؤسسات الدينية الفقهية للسلطة السياسية.
3-التسامح المطلق
وهو الغاية من التنوير الذاتي وإضاءة النفس بمشاعل الحب والتواصل كأساس للعلم والاجتهاد، فالمجتهد غير المتسامح ليس مجتهدا، والمتسامح جزئيا ليس مجتهدا أيضا، كتسامح بعض المسلمين مثلا مع المسيحية دون الشيعة والعكس..هذا ليس تسامحا بل مصالح خاصة لفئة ومجاميع، كذلك فأن يخرج الإمام مُحرّضا ضد طوائف بعينها أو أحزاب ثم يوصف ذلك الإمام بالمجتهد هو (نوع من الهَزَل) منتشر جدا في التراث الإسلامي وتشبعت به عقلية الفقهاء، فيقولون لكل مخطئ في دينهم ومذهبهم أنه “مجتهد” حتى ألصقوا صفة الاجتهاد على مجرمين حرب وزعماء وحكام أبادوا قرىً بأكملها على أن ما فعلوه كان اجتهادا لكنه (مخطئ) حسب زعمهم، فتسبب هذا الهزل بتشويه الاجتهاد نفسه ونفي أهم صفة من صفات المجتهد وهي (التسامح).

تعريف المجتهد المطلق

المجتهد المطلق هو الذي بلغ رتبة الاجتهاد المطلق أي: الاجتهاد في جميع أحكام الشرع، وسماه ابن عابدين: (المجتهد في الشرع)، وفق شروط محدده تؤهله للوصول إلى هذه الدرجة العلمية، وتمكنه من الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية بكفاءة عالية وقدرة تامة على ممارسة الاستدلال. وقد ذكر السيوطي: أن المجتهد المطلق ليس مرادفا للمجتهد المستقل، بل بينهما فرق، ويظهر هذا الاختلاف من خلال ما يقوم به المجتهد من تطبيق فعلي للاجتهاد، وممارسة للاستدلال واستنباط للأحكام، ومن خلال المنهج أو الطريقة المستخدمة في الاجتهاد، والقواعد والأصول التي اعتمد عليها في ذلك. فالاجتهاد المطلق بالنسبة للمجتهد هو الوصف أو الدرجة العلمية والكفاءة والأهلية لمن اجتمعت فيه الشروط، ومن اجتمعت فيه شروط المجتهد المطلق إما أن يكون مستقلاً أو منتسباً. وقد نص العلماء كابن الصلاح والنووي وغيرهما على وجود اختلاف بين درجات المجتهدين، وأنه من دهر طويل فقد المجتهد المستقل، ولم يبق إلا المجتهدون المنتسبون إلى المذاهب وقرروا أن المجتهدين أصناف: مجتهد مطلق مستقل، ومجتهد مطلق منتسب إلى إمام من الأئمة، كالمنتسبين إلى الأئمة الأربعة، ومجتهد مقيد. وأن الصنف الأول فقد من القرن الرابع الهجري، ولم يبق إلا الصنفان الآخران: المطلق المنتسب والمقيد. وقال السيوطي: وممن نص على ذلك من أصحابنا أيضا ابن برهان في الوجيز، ومن المالكية ابن المنير، وذكر السيوطي عباراتهم وعبارات غيرهم في كتاب الرد على من أخلد على الأرض.

الاجتهاد بين عهدين

– أتى على الأمّة حين من الدهر رأى فيه العلماء أنّ الأحكام الشرعية قد أشبعت بحثا وأنّ الفقهاء قد تناولوا موضوعات القرآن والسنة – المتعلّقة خاصّة بمسائل العبادات والحلال والحرام – بالدراسة والتحليل والقياس فلم يتركوا بابا إلاّ طرقوه ولا قضية إلاّ قلّبوها على كلّ الوجوه المحتملة، وقرّروا بناء على ذلك أنّ باب الاجتهاد قد أغلق وأن ليس في الإمكان أبدع ممّا كان، وأنّ الأوّل ما ترك للآخر شيئا! وإنّما حملهم على هذا المذهب خشيتهم من المتطفّلين على علوم الشريعة أن يعبثوا بها بذريعة الاجتهاد، وماذا عساهم أن يستنبطوا ممّا أغفله الأوّلون؟ سار هذا القول أحقابا من الزمن كان فيها زعم القدرة على الاجتهاد تهمة ليست بالهيّنة تعرّض صاحبها – على أقلّ قدير – للازدراء والاستهجان، وقد أذعن علماء لهذا المنحى ورفضه آخرون، منهم الإمام السيوطي الذي كان يرى أنّه ليس مجتهدا فحسب بل هو مجدّد القرن العاشر، وألف رسالته الشهيرة “الردّ على من أخلد إلى الأرض ونسي أنّ الاجتهاد في كلّ عصر فرض”، وقبل السيوطي وبعده خرج علماء كثر على القاعدة المقرّرة وخاضوا غمار الاجتهاد لامتلاكهم أدواته وشعورهم بحاجة الأمّة إليه.
– نذكر منهم ابن تيمية قديما والشوكاني حديثا، وبينهما وبعدهما نجوم هادية من المجتهدين المقتدرين لم يخل منهم زمان لا فضاء من بلاد المسلمين، حتّى ادلهمّت بالأمّة الخطوب وتتالت عليها الضربات من الدّاخل والخارج، أصابتهم في حياتهم السياسية والثقافية فامتدّ الجمود إلى العقول وكانت العلوم الشرعية من أوّل ما طاله الخلل فانتهى الأمر إلى إغلاق فعلي لمجال الاجتهاد وكسّر الفقهاء مغازلهم وتركوا النظر العلمي المنقّب في آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم واكتفوا بكتابة التعليقات والحواشي على متون كادت تحلّ محلّ القرآن والسنّة في النظر والتدبّر. وامتدّت هذه الفترة وغذّاها الاحتلال الأجنبي للبلاد الإسلامية حتّى مطلع القرين العشرين تقريبا، حيث بدأت الأصوات ترتفع مطالبة بالعودة إلى الاجتهاد لمواكبة العصر وإنقاذ الأمّة من مخاطر البوار الذي ينذر به التقليد الذي عمّ و طمّ وسدّ آفاق الإحياء والنهضة، وأخذت الروح تسري على استحياء في ساحة العلوم الشرعية، ورغم مقاومة أنصار القديم تجرّأ علماء هنا وهناك على الرجوع إلى مصادر التشريع مباشرة لاستنباط الأحكام للوقائع المستحدثة، وبرزت أسماء لامعة مثل محمد أبو زهرة والمراغي وعلي الخفيف ومحمد محمد المدني ومحمود شلتوت وآخرون في أكثر من بلد إسلامي، كانوا روّادا في بعث الاجتهاد وممارسته بعد أفول.



558 Views