دور الحكمة في العصر العباسي

كتابة سلمى الشمري - تاريخ الكتابة: 3 سبتمبر, 2020 10:34
دور الحكمة في العصر العباسي


دور الحكمة في العصر العباسي وماهي اهمية الحكمة ومفهومها الحقيقي من خلال هذه السطور التالية.

الدولة العباسية

الدولة العباسية أو الخلافة العباسية أو العباسيون هو الاسم الذي يُطلق على ثالث خلافة إسلامية في التاريخ، وثاني السلالات الحاكمة الإسلامية. استطاع العباسيون أن يزيحوا بني أمية من دربهم ويستفردوا بالخلافة، وقد قضوا على تلك السلالة الحاكمة وطاردوا أبناءها حتى قضوا على أغلبهم ولم ينج منهم إلا من لجأ إلى الأندلس، وكان من ضمنهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، فاستولى على شبه الجزيرة الأيبيرية، وبقيت في عقبه لسنة 1029م.

انواع الحكمة

تنقسم الحِكمَة إلی نوعین:«حكمة نظريّة» و« حكمة عمليّة»، وفیما یلي نأتي بما ورد من تعاریف لهاتین الحکمتین:
الحكمة العمليّة: هي التَعرُّف إلی أفعال البشر الاختيارية، كيف وبأي طريقة يَتم التعرُّفُ إليها، الحسنة والمطلوبة منها، والرديئة المذمومة. والحكمة العملية هي العلم بما يؤدي إلی إصلاح المعاش والمعاد والعمل به، ومعرفة الأمور التي لها مساس مباشر بالعمل كالطب والحساب والهندسة، وتنشعب الحِكمَة العملية، إلی الأخلاق، وتدبير المنزل، وسياسة المدن.
الحكمة النظرية: وأما الحِكمَة النظرية، فهي العلم بحالات الأشياء كما هي أوكما سوف تكون، هذه الحِكمَة يكسبها الفرد عن طريق الفكر والدراسة والتحقيق، مثل معرفة حالات الأجسام ومعرفة النّجوم وأماكنها. والحِكمَة النظريّة، المقصود منها ما حصل بالنظر. الحِكمَة النظرية تَتحدثُ عن الوجود وما هوكائن، بينما تتحدث الحِكمَة العملية عما يجب وعما ينبغي. ومسائلها من نوع الجمل الخبرية .

شعر الحكمة في العصر العباسي

عُرفت الحكمة في أشعار الشّعراء الجاهليّين، إلّا أنّها توسّعت كثيرًا في العصر العباسي، ومن شعراء الحكمة في هذا العصر: أبو تمام وبشّار بن برد وصالح عبد القدّوس، وقد أثّرت حركة التّرجمة الواسعة في شعر الحكمة، فيُلاحَظ أنّ شعراء بني العبّاس استوعبوا حكم اليونان والفرس وحكم كليلة ودمنة الهنديّة التي ترجمت للفارسيّة ثمّ نقلها ابن المقفّع إلى العربيّة فتمثّلوا كلّ ذلك شعرًا، وضمّنوا بعضه أبياتهم، وما كادوا يقعون على كتابيّ الأدب الكبير والأدب الصّغير اللّذين نقل فيهما ابن المقفع تجارب الفرس وحكمهم ووصاياهم في الصّداقة والمشورة وآداب السّلوك حتّى أخذوا يفردون المقطّعات في تصويرها شعرًا، يقول بشار بن برد في إحدى مدائحه:
إذا بلغَ الرأيُ المشورةَ فاستعـن
برأيِ نــصيحٍ أو نصيحةِ حازمِ
ولا تجعلِ الشّورى عليك غضاضةً
مكانُ الخوافي نافعٌ للقـــوادمِ
ويقال: إنّه كان في ديوان صالح
بن عبد القدوس ألف مثل للعجمِ
ولقد كانت حِكَمُ العصور الأدبيّة السّابقة تبدو منثورة في قصيدة المديح أوالهجاء أوالرّثاء أو حتّى الغزل، لتلخّص تلك التّجربة في حكمة أو اثنتين خلال القصيدة، فزهير بن أبي سلمى ضمَّن معلقته شذرات من تجربته تخدم غرض القصيدة، وتميّز شعر الحكمة العبّاسي بإفراد قصائد أو مقطوعات كاملة للحكمة، ينتقل الشّاعر فيها من عرش الشّاعر العفويّ إلى كرسي الناظم المعلم، يجمع فيها كل ما وافق وزنُه وثمُنَ معناه، من ذلك قصيدة (ذات الأمثال) لأبي العتاهية التي جمع فيها كثيرًا من الأمثال البليغة، إذ تبلغ نحو أربعة آلاف مَثَل، ومن الشّعراء الذين كانت لهم في الحكمة قصائد كاملة صالح بن عبد القدوس، يقول:
المَرءُ يَجمَعُ وَالزّمـــــانُ يُفـــرِّقُ
وَيَظــــلُّ يــَرقّعُ وَالخُطُوبُ تُمَزِّقُ
وَلأن يُعــــــادي عاقِـــــلاً خَيرٌ لَهُ
مِن أَن يَكــــونَ لَــهُ صَديقٌ أَحمَقُ
مِن أَن يَكــــونَ لَــهُ صَديقٌ أَحمَقُ
إنّ الصّديقَ عَلى الصّديقِ مُصدَّقُ
وَزِنِ الكَــــلامَ إذا نَطَقتَ فَإِنَـــــّما
يُبْدي عُيوبَ ذَوي العُقُولِ الْمَنْطِقُ

أشهر شعراء الحكمة

اشتهر عدد كبيرمن شعراء الحكمة على مر العصور، ومن أبرزهم ما يأتي:
-الشعراء الجاهليون: برز العديد من شعراء الحكمة في الجاهلية ومن أشهرهم حاتم الطائي وعمرو بن قميئة والموأل بن عاديا وسلمى بن ربيعة الضبي.
-الشعراء الصعاليك: هم شعراء فقراء الحال لا مال لهم، ومن أشهرهم عروة بن الورد وتأبط شراً.
-الشعراء المخضرمون: هم الشعراء الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام، ومن أبرزهم ربيعة بن مقروم الضبيّ والعباس بن مرداس ووعمرو بن الأهتم المنقري، وقيس بن الخطيم والصحابي حسان بن ثابت الأنصاري وعمرو بن معد يكرب.
-الشعراء الإسلاميون والأمويون: هم الذين عاشوا في ظل الإسلام والخلافة الأموية، ومن أبرزهم الفرزدق ويزيد بن الحكم الثقفي والمقنع الكندي وقطري بن الفجاءة وعبد الله بن الزبير الأسدي.

الحكمة في العصر العباسي

الحِكمَةُ هي حقيقة إنسانيّة يعبّر فيها الأديب عن وجهة نظره، وهي العدل والحِلم وقول الحقّ المطلوب، والحِكمَةُ: الفلسفة، ويمكن القول إنّ الحِكمة أعمّ من الحُكم، فالحِكمة حُكمٌ، ولكن ليس كلّ حُكمٍ حكمةً، وقد تعرّض الكثير من الشّعراء العرب وعلى مرّ العصور لغرض الحكمة، وذلك لما خبروه من ضنك العيش ومرارة الأيّام، فنطقوا بكلام يحمل العظة والإرشاد لسامعيه، وقد أجاد الشّعراء في فن الحكمة، واستمدوا معانيهم من وحي الخيال والواقع المعيشي فأعادوا للشعر بهجته وروعته وحكمته، ومن شعراء الحكمة في العصر العبّاسي:
أبو تمّام الطّائي: يقول في بَيْتيْه أنّه لا يمكن نسيان الحبيب الأوّل مهما تقدّمت بنا الأيّام والسّنون، فلم يُعرف طعم الحبّ إلّا من خلال اللقاء بالحبيب الأوّل، ولذلك بقيت ذكراه منقوشة في القلب.
نَقِّلْ فُؤَادَكَ حَيْثُ شِئْتَ من الهوى
مَا الْحُبُّ إِلاَّ لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ
كَمْ مَنْزِلٍ فِي الْأَرْضِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى
وَحَنِينُهُ أَبْدًا لِأَوَّلِ مَنْزِلِ
أبو نُوَاس: وفي بَيْتَيْه يطلب أبو نُواس من مرشده ألّا تكثرَ من لومه لأن ذلك سيزيده بعدًا وانحرافًا، وأخبره بأنّ من يدّعي الفلسفة في علمه، بأنه لا يمكن لأحدٍ أن يحوز العلم كلّه، يقول:
دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّوْمَ إغْرَاءُ
ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ
فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفة ً
حفِظْتَ شَيئًا، وغابَتْ عنك أشياءُ
المتنبّي: وفي البيت الآتي يقول المتنبي أنّه يسهل عليه أن يصاب بأيّ عاهة في جسمه، ولكن لا يصعب عليه بأن يتعرّض عرضه أو عقله لأيّ أذى:
يَهُونُ عَلَيْنَا أنْ تُصابَ جُسُومُنَا
وَتَسْلَمَ أعْراضٌ لَنَا وَعُقُولُ



702 Views